ذاكرة بنغازي في عمارة

"دينا الفزاني"

13 شارع جمال عبد الناصر (الاستقلال) سابقاً، بناء من أيام الطليان.

بدأت حكايتي مع العمارة عندما انتقلت عائلتي عام 1998 للسكن في إحدى شققها المطلة على البحر وتحديداً مقابل مدخل ميناء بنغازي الرئيسي. العمارة والمنظر المطل من نافذة الشقة يستحيل أن يجعلك تبدلها بأي مكان ثانٍ سواء أكبر أو أفخم. بنيت هذه العمارة عام 1914 تقريباً، وكما قيل إن تلك العمارة كان بها سجن في القبو التابع لها وكان محبساً للشيخ عمر المختار؛ حيث كانت تتم محاكمته في مكان قريب منها وهو بناء برلمان برقة القديم.

مَنْ مِن سكان بنغازي لا يعرف عمارة "لنقي" (نسبة الي مالكها السابق) في وسط البلاد؟ ومن لم يلف من جهة البحر للذهاب إلى الصابري أو باقي بنغازي ولم يمر عليها؛ سواء بالسيارة أو سيراً على الأقدام؟ من لا يعرفها في بنغازي؟

العمارة التي تعد من معالم بنغازي والمدينة القديمة بها، وعندما تبحث في القوقل عن بنغازي قبل 2011 ستظهر صورتها بلا شك في أكثر من موقع إلكتروني.

عام 2014 بسبب الحرب اضطررنا كالكثير من سكان منطقة (البلاد) إلى ترك منزلنا، وبعد حوالي 4 سنوات من المرارة بعيداً عن منزلنا الذي لم نعلم عنه شيئاً طيلة تلك الفترة، عدنا لنرى بقايا حطام قائم والكثير من الذاكرة المسروقة والمهدمة. ومنذ ذلك الحين إلى اليوم أصبحت العمارة مجرد مبنى قائم ومهدم، وكأنه قطعة مني تم هدمها.

العمارة ليست مجرد مبني قائم -وربما ليست بجمال المباني الإيطالية الموجودة في روما مثلاً- ولكنها تحكي حقبة تاريخية معينة في حياة المدينة، والكثير من الأحداث والذكريات فيها وفي منطقة وسط البلاد.

شخصياً أؤمن بالمقولة: "من لا تاريخ له لا حاضر له"، وهذه العمارة وعدد من عمارات وسط البلاد هي ذاكرة بنغازي الحقيقية وتاريخها بالنسبة لي. تلك المباني لها روح وتاريخ، ومرت على مدار السنين المتعاقبة بالكثير من الأحداث الخاصة بالمدينة.

حالياً كلما مررت بجوار المكان أشعر بغصة كبيرة وألم من الصعب وصفه، وأشعر بالعجز لأني لا أستطيع تقديم شيء لإعادة إحياء المكان مرة أخرى.

مواليد بنغازي، باحثة في مجال حقوق الإنسان والمرأة. ماجستير إدارة وتنظيم من الأكاديمية الليبية في بنغازي، عملت مع العديد من المنظمات الدولية.

دينا الفزاني
القصة التالية
تَكْبَر وتفهم