"سميرة البوزيدي"
التقطت هذه الصورة في خريف 2006 أثناء احتفالية توقيع ضخمة بمدينة سرت أشرف عليها مجلس الثقافة العام، معي ابني آسر الذي يحاول أن يمسك القلم أو يأخذ الكتب التي أوقعها. آسر كان صغيراً و فضلت أن يكون معي بالرغم من اعتراض أمي خوفاً عليه وعليَّ من التعب، ولكنني لم أحب أن يغيب عني وكنت أشرف على كل تفاصيله، ولحداثة الأمومة أخاف دائماً أن يكون بعيداً عني. الرحلة لسرت مرهقة، رافقني فيها زوجي الشاعر مفتاح العماري، وقفنا أكثر من مرة في محطات بها مقاهٍ بسيطة للتزود بالأكل والماء، وللراحة والتمشي بعد الجلوس المديد على كراسي الباص الضيقة. كان الطقس معتدلاً والجو خريفياً، وهذا ساعدنا على الاستمتاع بالرحلة بل والغناء الجماعي خلالها، وآسر بوسامته وخدوده الجميلة كان مصدر بهجة لمن معنا في الباص، والكثيرون أصروا على التصوير معه ومداعبته وحمله عني. في هذه الصورة آسر لم يكمل العام ولم يمشِ بعد، فكان علينا أنا وأبوه أن نحمله طوال الرحلة، كما أنني كنت حاملاً بأخته رؤيا، ومع ذلك هي من أجمل الرحلات.
حفل التوقيع ضم أكثر من 400 مؤلف؛ فكان فرصة التقاء الكثير من زملاء الكتابة لأول مرة. الديوان الذي وقعته اسمه "أخلاط الوحشة" إصداري الثاني، وهو امتداد لتجربتي الشعرية في بداياتها التي كان لها نفحة صوفية خفيفة، ولا يزال ديواني المفضل إلى الآن، مع أنني ألحقته بالكثير من الدواوين تطور فيها شعري وعرفه قراء أكثر، وتم ترجمة بعضه للفرنسية وديوان كامل لي للإيطالية.
مازلت أداوم علي كتابة الشعر ونشره، أصدرت ديواناً إلكترونياً عن موقع بلد الطيوب، كتبته خلال فترة الحرب التي مرت بها طرابلس، أسميته "ديوان الحرب / حتى لا تشعر البيوت المهدمة بالوحدة"؛ في محاولة مني لتوثيق ما حدث من موت وخراب، وهو ربما نوع من أنواع المواجهة والمقاومة، نصوص كتبتها تحت هول الحرب وعلى مقربة من الموت. لديَّ حالياً مخطوطان بوزارة الثقافة يفترض أنهما تحت الطبع مثل العديد من المخطوطات لكتاب آخرين لعدم وجود التمويل الكافي لها، هذا حال الشعر لدينا حيث كساد النشر الورقي في مؤسسات الدولة؛ مما دفع معظم كتابنا لإصدار أعمالهم بدور نشر خاصة وبشكل فردي ومتباعد.
وبالرغم من هذه الصعوبات مازلت أحفل بالشعر وأحاول دوماً عدم الوقوف بتجربتي عند حد معين، كما أحتفل بالأصوات الشعرية الجديدة التي تحمل مغامرة وجدة في سياق مشهدية الشعر الليبي. أعرف ان زمننا ربما ليس زمن الشعر، ولكنني لا أتوقف عن الكتابة والنشر. أشرف على الصفحات الثقافية بصحيفة فبراير منذ صدورها، وأنشر فيها المتابعات الثقافية والإصدارات الجديدة عن الإبداع من قصة وشعر ونقد، وأيضاً لقاءات مع أصوات شعرية جديدة.
نعود إلى الصورة التي نبهني إليها الفنان علي العباني، ووجدتها فعلاً على صفحة مجلس الثقافة العام ومعها صور كثيرة لزملاء وزميلات الشعر، كانت أياماً جميلة، وبالرغم من قصر المدة استمتعنا بهذا اللقاء الجماعي الذي لم يتكرر، اكتمل الحفل وظلت صورنا علامة جمال على تجمع لكتاب ليبيا، وننتظر جميعا أن تستقر الأحوال ببلادنا وتعود مثل هذه الملتقيات الثقافية المهمة مجدداً.
أما عن آسر الآن فهو في بداية السابعة عشرة، طويل ونحيف وجهوري الصوت كأبيه، وبالرغم من أنه عاش بين الكتب وكان قارئاً جيداً في طفولته إلا أنه الآن لا يحب أن يقرأ ويهرب من أن يكون قارئاً، ومثل رفاقه الذين في سنه لديه هوس بفنون أخرى؛ مثل الألعاب الإلكترونية وبعالم الأنمي وكل ما يتعلق بالتقنية، ولكنه سيظل قريباً دائماً من عالم الشعر.
مواليد طرابلس، شاعرة وصحفية، متحصلة على دبلوم في التاريخ من جامعة طرابلس. صدر لها تسعة إصدارات ما بين شعر ونقد ومقالات، وديوان مترجم إلى اللغة الإيطالية. تشرف على صفحات ثقافية بصحيفة فبراير.