"محبوبة خليفة"
تقول: كان أجملهم، ونتساءل بذهول: وهل تعرفينه؟ فتضحك بعلوّ صوتها: وليش نعرفه؟ فتزيد دهشتنا! وماذا تحبين فيه؟ تقول: كلامه سمح وزوله* سمح. نفوِّت الإشارة الأولى ونتمسك بالثانية: وين شفتي زوله؟ فترد: عنده برنامج في التلفزيون يقول في كلام يمسح الكبد. وبعدين؟ نواصل إلحاحنا! وبعد ما يمسح كبدك تنتبهي لسماحته؟ تضحك منّا وتواصل: (مش بس نا، الصبايا*كلهن عاجبهن، اسمعت إن حتى صارت طلاقات في جرة آهاتهن وهو يقول في الشعر ومعنقر* هذيك الشنة* الحمراء على جبتهه اللي تقول عاج).
يا الله! ومصنّفة حتى درجة بياضه! تبتسم بخَفَر تلك المرأة التي تحتار في تحديد سني عمرها- لحيويتها وجمال تقاطيعها- وترد علينا: هذا أيام السهاري السماح مش توا، وقبل أن تردَّ بالهجوم على جيلنا كنا
نواصل (منابشتها)* لتستريح وتدلي بما لديها.
امرأة خمسينية في ربيع عمرها الثاني، ترتدي الحرام* الليبي بخطوط عريضة وبألوان تختارها بعناية، فهي لم تأتِ مرة لبيت الطالبات بحرام لبسته مرتين خلال أيام الأسبوع، لديها كما تقول حرامات بعدد (زيزات)*خوتها، كل (ولِيَّة)* تخش علينا بالهدايا؛ حرام حرير لأمي ونا وخواتي حرام معمل*. كنا ثلاثة وكانت فرحتنا بالهدايا تعادل فرحتنا بزيجة هذا الأخ أو ذاك، إلا أن أخي السابع كانت عروسته حالتها كويسة فأحضرت خواتم ذهب وغوايش لوالدتي فتميَّزتْ عن الباقيات واحتفظتْ بهذه المكانة حتى اليوم، وتواصل: حرامات صبايا خوتي هن اللي نبدّل بينهن لما نجي نخدم هنا. هكذا أدلتْ بإفادتها حين حققنا معها حول التنوع في الألوان وخطوط الحرامات*.
متزوجة بلا عَقِب وقد مرت بسنوات كافرة كما تقول، لم يتوقف لسانٌ عن السؤال مِن مَن؟ وكنت أصمت. تقول: في أيامنا كنا نخجل فلا هو ذهب لطبيب ولا حملني لطبيب، حتى وجدت نفسي في هذا العمر، لكنه راجل طيب مش في سماحة* الشاعر لكن الله يسامحه ويسامح عشرته.
تواصل: يوصلني كل يوم هنا ويذهب لحراسة القنصلية اللي جنب بيت الطالبات، أحيانا ألمحه يتلصص على شبابيككن علّه يقتنص بعض جمال فيملأ عينيه، وعندما أطل برأسي وأراه أتوعَّده عند العودة لبيتنا فيفهم الإشارة ويعود لعمله مواصلاً الحكايات مع زميله في الحراسة وقد امتقع وجهه، وأواجهه بفعلته فيما بعد فيدَّعي أنه كان مشتاقا لي فرفع رأسه في المبني علّه يراني (يحساب روحه فلان) وتردد اسم الشاعر، وتمنحنا ضحكة نكون بحاجتها.
كانت أمسيات الخميس مميزة بها، حيث تتاح لها فرصة البقاء معنا حتى ينتهي زوجها من مهامه، فذلك اليوم يوافق نهاية الأسبوع وأعضاء القنصلية بموظفيها وزوارها من الرعايا الإنجليز في بنغازي يبقون لساعة متأخرة للعب مبارايات التنس، فتضاف إلى متعنا في مراقبة وسامة العاملين هناك مشاهدة جمال ملابس لاعبي ولاعبات التنس ورشاقة حركتهم في الإمساك بالمضرب ومراقصة الكرة الصفراء الصغيرة.
تشاركنا سهرتنا الخميسية نحن أيضاً فنعطيها (الدربوكة) لتتسلّى، فتتمنّع ثم وبعد القليل من الإلحاح تمسكها بيدٍ محترفة وتطلق حنجرتها لعنان السماء، وربما كان الحارس في الجوار يستمع معنا:
"نار المرهونين*
امعانا لكن صبّارين".
لم يكن المرهون سوى الشاعر، الذي أدار رؤوس النساء بأشعاره وبشنَّته المائلة فوق جبهته التي في بياض العاج كما تقول أنيسة أيامنا تلك الأيام.
مواليد درنة، درست ليسانس آداب، قسم فلسفة وعلم الاجتماع بالجامعة الليبية ببنغازي. روائية وشاعرة صدر لها رواية ومجموعة قصصية.