"نجلاء العجيلي"
لقد التقطت هذه الصورة بكاميرا بولارويد اشتراها والدي لي في عيد ميلادي السابع، هذه صورة جدي لأبي خارج منزله في شارع الصريم بطرابلس. ما زلت أتذكر أنني طلبت منه التوقف حتى أتمكن من التقاط الصورة كما ترون وهو ينظر مبتسماً نحوي.
الصورة لديها الكثير من القرائن على حياتنا في ذلك الوقت؛ المنزل في الخلفية بأوراق شجرة البرتقال والجدار الذي اعتدنا أن نتسلقه وننظر إلى الشارع، حيث اعتدنا على النظر إلى الشارع للاستمتاع وكذلك لنحكي مع أولاد الجيران أو لننظر من فتحات المشربية. أتذكر كيف كنا نسمع أصوات الشارع وننتظر جدي ليرجع للبيت من دكانه، فتحات المشربية كانت مصدر خيالنا ونحن أطفال، وكنا نلعب ونختبيء خلفها لكن كنا نرى الشارع. أغلب هذا النوع من المشربيات في طرابلس اختفى من العمارة المحلية والناس أغلقته حتى لا أحد يستطيع أن يرى داخل أو خارج البيت. تم إغلاق كل شيء في طرابلس بحلول الثمانينيات؛ عندما بدأ الليبيون بإغلاق المنازل وإغلاق أنفسهم في منازلهم، وتغطية أي فتحة قد تؤدي إلى إلقاء نظرة خاطفة.
جدي في الصورة كان يحمل حقيبة التسوق المصنوعة من القماش وهو من صنعها، يطلق عليها المخلة ولها جيبان أحدهما في الأمام والآخر في الخلف. اعتاد الليبيون في طرابلس استخدام هذا النوع من الحقائب للتسوق واختفت حتى هي من الذاكرة الشعبية. كان جدي خياطًا وكان لديه متجر صغير في المدينة القديمة في غاليريا بولياري، اعتاد على خياطة وتفصيل الملابس التقليدية للرجال والنساء، كانت هذه صنعته طوال حياته.
كان روتينه أن يستيقظ مبكراً، يصلي الفجر ويتناول الفطور ويسير إلى متجره مشياً. اعتاد أن يعود لتناول طعام الغداء بعد صلاة الظهر حاملاً معه البقالة في مخلته، يتناول غداءه وبعدها يقيل القيلولة ويستيقظ مع صلاة العصر، يشرب (شاهيه) ويعود إلى دكانه. يرجع للبيت مع صلاة المغرب ونكون جميعًا في انتظاره؛ لأنه كان يحضر لنا دائمًا الحلوى أو الألعاب، يتناول الشاي والعشاء وبعد ذلك يصلي العشاء ويذهب إلى الفراش. قبل النوم كان يحب أن يستمع إلى الراديو الخاص به وكان يحب الاستماع إلى محطات الراديو المختلفة، وكان يحب الاستماع إلى اللغات الأجنبية.
كان يستمتع بمشاهدتنا نلعب، وعادة ما كان يحكي لنا الخُرَّاف القديم ويحكي لنا عن طفولته وأيام الاستعمار الإيطالي وحياة العيلة وطرابلس.
عشق جدي الخيول فكان يشتريها ويبيعها. كان رجلاً بسيطاً لا يهتم بالسياسة، لكن عندما أجبره الزحف الأخضر للقذافي على إغلاق دكانه وأخذه منه انهار بالكامل. تراجعت خلال شهرين صحته تمامًا إلى الاكتئاب، وتوفي عن عمر يناهز 86 عامًا.
مواليد طرابلس، مهندسة معمارية، أسست مشاريع Noon Art في عام 2012 بلندن، قامت برعاية أكثر من 16 معرضا عن الفن الليبي والأفريقي.