اغسطس 76

"هادية قانا"

المكان: وسعاية جامع سيدي سالم المشاط في منطقة باب بحر، المدينة القديمة طرابلس. المبنى في الخلفية هو الجامع، على يساره ساليطة شارع سيدي سالم وعلى اليمين انقُلي حوش خالتي ارتيمة صديقة حناي سلطانة الله يحرمهم.

الزمن: شهر ثمانية ،1976 عز قايلة الصيف، ممكن الساعة اتنين و نص لاننا مروحين من المدرسة الفرنساوية في قرجي.

المشهد: ستة اشخاص في حي قديم يغلبه اللون الابيض والترابي. خمسة منهم صغار يشوفو للكاميرا والسادسة سيدة شعرها لكتافها عاطية بظهرها. ضمن الصغار زوز لابسين بيجامات و شادين حاجة اكل في يدهم والثلاثة التانيين شادين شناطي مدرسية. زازية، اختي الكبيرة، في وسط الصورة، شادتني من يدي و خوي مهدي في زاوية الحوش مع امي.

ذاكرة المكان: اقدم ما في ذاكرتي، الصوت المطموس لخطواتنا  واحني نازليز من صاليطة القبة، صنه التراب الجاف، ضي الشمس الي يجهر في القايلة، الدرجات الضخمة في مدخل زنقتنا و في نهايتها عاليمين رواشن غرفة جدي فوق مدخل الحوش، وبراكة سيدي بنور مقابل مدخلنا، و ظلام دارنا في حوش جدي. في ذاكرتي صورة منسوخة لكروسة كبيرة كحلة، عجلاتها كبار تشبه لكروسة رسوم ديزني، مركونة جنب حيط متكدس تحته تراب امميل الكروسة.

القصة: يوم عادي من ايام الطفولة، بوي مروح بينا من المدرسة. شن خلاه يطلع الكاميرا و ياخد الصورة هذه غير استمتاعه بالمشهد؟ صغاره و مرته الاجنبية و هما مروحين من المدرسة و عايشين في المدينة القديمة؟ او كان عنده منظور مختلف؟ امي مش لاهية بالتصوير لأن اكيد كان في راسها موال تاني، زي ما يقولو "واحد مشنوق والتاني باله في الحلوى." كانت مستعجلة توصل للحوش بعد يوم تعب التدريس و تفكر في باقي يومها كيف بتقسمه بين احني الأربعة و بوي وجدي وعمامي  الثلاثة الي كانو شباب صغار لما حناي توفت و محتاجين لحد يشد الحوش. بوي كبير العائلة  فبشكل طبيعي رجع بينا لحوش بوه.

انتماء: بالنسبة ليا هذه فترة انتمائي للمكان ولليوم علاقتي بالمدينة علاقة رائحة و حواس ونمط حياة: سقيفة فيها بشكليطة مدرسة واتية لمواعيد فتح القهوة، وسط حوش بتجدويلة بيضة و حمرا و بير ماجن غطاه رشادة ملسا من كثرة اللمس والمسح.

ارتباطي ايضا بالمكان والاحساس بالراحة في شوارعه حتى في اسوأ اوقات وجداني، يحسسني باحساس امي بالحرية لما كانت اتطلع في "كردوسها مصغر" المتكون من صغارها الاربعة و تمشي بينا على رجلينا لبن عاشور نلعبو في الحديقة القريبة من سوق المثلث. في البداية كنت في كروستي الكحلة زي الكاديلاك وخوتي يدفو بيا لكن يوم من ايام الصيف عجلتها فسدت و امي ركنتها جنب حيط على كوز تراب بتوليلها بعد تمشايتنا لكن من هذاك اليوم معاد شفتها و بدي تدريبي على المشي لمسافات طويلة.

غرفة جدي كانت تفتح على مستراح مظلل بدالية و مطل على وسط الحوش. حصيرة و كانون و برودة العشية.

السطح ما كنتش نركب له لكن عرفت انه كان منفس امي في اوقات الضيق لانها كانت تشوف البحر من  بعيد من جيهة القبة و تسافر بفكرها و خيالها.  بنت وحدية امها و بوها من شمال فرانسا ناسبت عائلة نالوتية محافظة من وراء البحر. لقت ترحيب و لطف من جدي و حناي و احترام و عشرة طيبة مع عماتي و عمامي الي اعتبرتهم خوتها و خواتها الي مفتقدتهم.. اكيدة حياة مش متوقعتها. لكن حياة غنية بمعرفة الغير و تقبله.

كل هذا موجود في الصورة، وأكثر.

مواليد طرابلس، درست الفنون بجامعة طرابلس وتحصلت على ماجستير في الفنون من جامعة ويلز. خزافة مفاهيمية مهتمة بتأثير المكان أو الفضاء على المجتمع. تعمل على إنشاء مركز فنون ومتحف “دار علي قانا” بطرابلس.

هادية قانا
القصة التالية
يما د بابا
القصة السابقة
جرعة واحدة، في نفس واحد