نغيب عن المدرسة ونذهب للملاهي؟!

"أمل منصور"

فترة طفولتي في طرابلس (في الثمانينات و بداية التسعينات) هي من أجمل فترات حياتي، تتخللها الكثير  من المغامرات و اللعب و مشاهدة أفلام الكاراتيه و مشاهدة الكثير من الرسوم المتحركة.

في الصيف كنت ألعب كرة القدم مع بنات و أولاد الجيران، وأركب دراجتي برفقة ابنة عمي ريما في شوارع زاوية الدهماني، أما في بيت جدتي (أمي زهرة) في قرجي فكان رفاقي هم بنات وأبناء خالي محمود. كان أهلنا يحثوننا على النوم وقت الظهيرة ويمنعوننا من الخروج خارج البيت حينها، ولكن بمجرد أن يغفو الكبار كنا نخرج للجنان بهدوء للعب.

كنا مهووسين بصنع "السم" (و هو قنينة بيبسي نملأها بالتراب والنمل والحشائش البرية وماء، نضيف لها "الوراكينا" ثم نغلقها و نخضها جيداً)، لا أذكر لمن صنعنا هذا السم ولكن كان من المهم أن نصنعه ضد عدوٍ ما. بعدها يجمعنا ابن خالي خالد لنبدأ تدريبات "النينجا" ويشرح لنا الحركات التي يجب أن نقوم بها لاستكمال التدريب. كان خالد يؤدي الحركات أولاً، ثم نتبعه نحن، أي خطأ كان عقابه أنك تبدأ التدريب من البداية، فخالد كان مدرباً صارماً جداً.

بعدها نبدأ بالبحث عن مفتاح (دار الخزين) التي تخبئ فيها جدتي (أمي زهرة) ما لذ و طاب. أول طفل يجد المفتاح يدخل للمخزن بهدوء ويفتح علب الشكولاتة و يبدأ بتمرير القطع لكل أفراد "العصابة" بالتساوي، ثم يغلق العلب جيداً و يضعها في مكانها كأن شيئاً لم يحدث.

في الشتاء كنا نفرح بهطول الأمطار بغزارة، فمن منظورنا نحن الأطفال هذا قد يعني بأننا سنغيب عن المدرسة بسبب خوف أهلنا علينا من أن نمرض. الغياب عن المدرسة يعني وقتاً أكبر للعب و للمرح و لمشاهدة الرسوم المتحركة، بالإضافة إلى أنه عندما تهطل الأمطار تتكون الكثير من البرك في الشوارع و الأزقة، خصوصاً الترابية منها.

وحين تخرج الشمس الجميلة الدافئة و تعكس أشعتها على هذه البرك يصبح الوقت مناسباً لنلعب لعبة سباق القوارب، حينها يقوم كل منّا بصنع قارب ورقي و يبدأ السباق. الطفل الذي يقطع قاربه أكبر مسافة قبل أن يتبلل مركبه كلياً أو يغرق هو من يفوز، والمتسابق الذي يصل قاربه للضفة الأخرى من البركة كان يشعر بقمة الفخر وكأن قاربه قد عبر البحار ووصل لقارة أخرى.

في ذلك الوقت في طرابلس كانت لدينا مدينة ملاهٍ وحيدة (يقال إنها من وقت الطليان)، كنا نذهب لها مرة في السنة يوم العيد (الصغيرة)؛ لذا فالذهاب للملاهي كان شيئاً رائعاً جداً. الصورة التي أشارك بها هنا هي ليوم مميز في طفولتي، ليوم شتوي في نهاية الثمانينات حين كنت في الصف الأول الابتدائي.

في هذا اليوم هطلت الأمطار بشدة بداية من الفجر وامتلأت الشوارع بمياه الأمطار، وخوفاً علينا قرر أهالينا (حوشنا وحوش خالي) بأن نبقى نحن الأطفال بالبيت. بعد توقف الأمطار وخروج الشمس الساطعة والسحب البيضاء الناصعة استطعنا بذكائنا نحن الأطفال أن نقنع أهالينا بأن يأخذونا إلى مدينة الملاهي، و هذا ما حدث فعلاً (يعني غبنا من المدرسة وزيادة مشينا للملاهي)! شعرنا نحن الأطفال وقتها بأن الدنيا لا تسعنا من الفرحة.

في الصورة يظهر (في الصف الخلفي من اليمين لليسار: حمودة، سناء، ثم خالد. في الصف الأمامي من اليمين لليسار: هناء، أخي أحمد، أمل (أنا)، ثم زهرة). بالرغم من مرور سنوات طويلة على التقاط هذه الصورة وانتشارنا في بقاع الأرض، من أمريكا لبريطانيا لفرنسا، إلا أننا مازلنا نتذكر هذا اليوم السعيد الذي كان من أجمل ذكريات طفولتنا.

مواليد طرابلس، ناشطة مدنية، استشارية في العلاج الطبيعي بلوس أنجلوس. حصلت على دكتوراه من جامعة ماونت سانت ماري بكاليفورنيا، الولايات المتحدة.

أمل منصور
القصة التالية
تلك الأيام: البي بونا والصولفيج
القصة السابقة
كنت هناك أرثيني