"بشير زعبية"
في بداية العام 1974 ومن هذا المكان حيث أجلس بدأت رحلتي في العمل الصحفي. كنت ذلك الوقت بلغت التاسعة عشر من عمري، وأوكلت إليّ مهمة مساعدة مصحح الأخبار في قاعة التحرير الرئيسة بمقر وكالة الأنباء بشارع الشط. ظللت في هذا المكان مدة ستة أشهر، ولا عمل لي سوى قراءة الأخبار التي يستقيها المندوبون، والواردة من قسم الاستماع والوكالات ومن قسم الترجمة.
أنا أقرأ الخبر والمصحح، الشيخ السنوسي مختار، رحمه الله، وهو خريج أزهري، يتولى التصحيح. وكلما انشغل هو بالتصحيح أتوقف أنا عن القراءة. وحدث موقف طريف أثناء قراءتي أحد الأخبار؛ إذ ورد رقم ملحق بكلمة «ونيّف» فأخبرت المصحح أن هذا خطأ وقمت بتصحيح الكلمة إلى «ونصف» واعتبرت ذلك بثقة نباهة مني. لكن المصحح التفت إليّ وقال لي: "هذا تغليط وليس تصحيحاً."
قلت له: "كيف؟"
فرد قائلا: "كلمة (ونيّف) صحيحة وتعني زيادة قليلة، ويبدو أنك لا تعرف هذا."
قلت بشيء من الإحباط: "نعم، اعتقدته خطأ مطبعياً."
في الصورة يبدو خلفي يميناً الشيخ السنوسي مختار، ويظهر على يمينه جانب من قسم الإبراق والاستقبال. كانت القاعة تضم أيضاً قسمي الترجمة والبث الخارجي، وهناك تعرفت على محرري جيل الوكالة المؤسس ومن بينهم: حسين القذافي، وعلي التميمي رحمه الله، ومحمد عمارة التاجوري، وزملاء آخرين وأغلبهم انتقل فيما بعد للعمل بوزارة الخارجية.
كان رئيس التحرير هو المرحوم الأستاذ سليمان العزابي، ورئيس وحدة المندوبين هو الأستاذ عبدالله فهمي، والمدير العام هو المرحوم حسني صالح. وكان يعمل بالقاعة أيضاً أساتذة أجلاء من فلسطين وهم نبيل أبو عيطة، وحسين كعوش، والعارف الطويل، ونبيل عواد؛ وكانوا بمثابة الأساتذة الذين تتلمذنا على أيديهم.
أما رئيس قسم الترجمة، ويظهر أمامي في الصورة مرتدياً نظارات طبية، فاسمه بيتروفيتش وهو يوغسلافي الجنسية، وكانت نهاية عمله بالوكالة بائسة إذ اتهم بالتجسس وجرى اعتقاله. سمعنا روايتين بالخصوص: الأولى تقول إنه ضبط يرسل أخباراً إلى وكالة أجنبية دون اعتماد من الجهات الليبية المختصة، والأخرى تتهمه بإرسال معلومات تجسسية.
لا أخفي أنني مللت من هذه المهمة، ولم أكن أعي أهميتها إلا حين انتقلت للعمل مندوباً للأخبار، فعرفت أن الأشهر الستة التي قضيتها وأنا أقرأ الأخبار حوالي ست ساعات يومياً علمتني بشكل تراكمي كيف يكتب الخبر، وكيف يبدأ وينتهي، وعدد فقراته ومفردات كل فقرة، وعرفت أن للخبر مصادر تتفاوت أهميتها، واستفدت لغوياً من الشيخ الأزهري المصحح. واعتبرت مهمتي بمثابة سنة أولى صحافة؛ إذ كنت حديث عهد بهذه المهنة، ولم يسبق أن درستها أو مارستها غير صحافة المدرسة والنادي، ولم يدر بخلدي حينها أنني سأمضي سنين في الوكالة، وسأصبح يوماً ما مديرها.
مواليد تونس، بدأ مسيرته الصحفية بوكالة الأنباء الليبية، أسس مكاتب لها بباريس ودمشق، وأصبح مديرا لها. عين مستشارا إعلاميا بالسفارة الليبية بالقاهرة. يرأس حاليا تحرير موقع وجريدة بوابة الوسط.